الكنافة
|

طريقة عمل الكنافة الذهبية بالقشطة – مقرمشة ولذيذة مثل المحلات

 الكنافة

في زقاقٍ ضيّقٍ من أزقّة نابلس القديمة، حيث تتدلّى فوانيس النحاس من الشرفات العتيقة، كانت رائحة السمن البلدي تملأ المكان مع غروب الشمس. يتصاعد بخارٌ خفيف من فرن حجريّ قديم، وتتناثر قطرات من القطر الساخن على صينية ذهبية تطقطق من شدّة الحرارة. هناك، في ذلك الركن، كانت الكنافة تُولد من جديد.

يمشي طفل صغير بجوار جدّته، يُمسك بطرف ثوبها بيدٍ، وباليد الأخرى قطعة نقدٍ صغيرة لا تكاد تُرى. يرفع رأسه نحو الفرن، عيناه تتّسعان مع رؤية الخيوط الذهبية التي تتداخل في ما بينها بطريقة عجيبة مع الجبن الذائب، وهو يسأل جدّته بصوتٍ خافت:
“ستي… ليش الكنافة ريحتها بتفرّح؟”

تضحك الجدة، وتربت على رأسه، وتقول:
“لأنها بتشبِه الفرحة يا حبيبي… سخنة، وحلوة، وبتيجي من القلب.”

الكنافة ليست مجرّد حلوى تُؤكل بعد الطعام؛ إنها ذاكرة شعوب، وسرّ من أسرار اللقاءات في البيوت العربية، من دمشق إلى القاهرة، ومن القدس إلى بغداد. كانت تُحضَّر على مهل، وتُقدَّم بمحبة، وتُزيَّن بالفستق والورد والماء المعطَّر.

لكن ما أصل هذه الحلوى؟ كيف انتقلت بين المدن وتنوّعت نكهاتها؟ وما السرالذي يجعلها تتربّع على عرش الحلويات الشرقية؟

في هذا المقال, سنغوص في عالم كنافة من الباب إلى الباب. وسنكشف لك:

اربط المئزر، ودعنا نبدأ الرحلة، التي سنروي لك فيها قصة هده الحلوى الرائعة… من الفرن إلى المائدة.

أصل الكنافة

أصل الكنافة

تبدأ قصتها منذ قرون طويلة، في قلب بلاد الشام، حيث كانت العصور الوسطى مسرحًا لاختراع هذه الحلوى التي أصبحت فيما بعد رمزًا للاحتفال والكرم العربي. كانت تُعرف في البداية باسم “الخنافة”، وتروي الحكايات كيف كانت تُحضّر في البيوت والمطابخ الملكية على حد سواء.

في زمنٍ لم تكن فيه الأفران الحديثة متوفرة، كان الناس يصنعونها بخيوط العجين الرقيقة، يحمّرونها على النار حتى تكتسب لونها الذهبي المميز، ثم يُسقونها بالقطر المعطر بماء الورد وماء الزهر. كانت الكنافة أكثر من مجرد حلوى؛ كانت رمزًا للفرح والضيافة في المناسبات السعيدة، من حفلات الزفاف إلى الأعياد والمناسبات الدينية.

ومع مرور الوقت، انتشرت من بلاد الشام إلى مصر وتركيا، حيث تطورت وصفاتها وتنوعت. فظهرت الكنافة النابلسية الشهيرة بحشوها بالجبنة، وأخرى بالقشطة، وحلويات مختلفة مثل كنافة البقلاوة التي تمزج بين الطبقات الرفيعة والمكسرات الغنية.

تخيل تلك الأسر التي اجتمعت حول الموقد القديم، تجهز العجين، وتعد القطر، وتشارك اللحظات الحلوة مع أحبتها، وكل ذلك تحت ضوء القمر أو بين دفء الموقد. هذه الحكاية ليست مجرد وصفة، بل هي تراث ينبض بالحياة.

كنافة ليست فقط حلوى، بل هي قصة تروى بألسنة الأجداد، وعطرها يعانق أروقة الزمن، لتصل إلينا اليوم، نُعيد صنعها ونشاركها مع من نحب.

المكونات الأساسية للكنافة

المكونات الأساسية للكنافة

حين نفكر فيها، نتخيل فورًا ذلك القوام الذهبي المقرمش، والرائحة العطرة التي تعبق في أرجاء المطبخ، والمذاق الحلو الغني الذي يذوب في الفم. لكن سر هذه الحلوى الرائعة يكمن في مكوناتها البسيطة والمختارة بعناية.

عجينة الكنافة

العنصر الأساسي بلا منازع، وتوجد نوعان رئيسيان:

  • كنافة الخشنة (خيوط الكنافة): تستخدم في وصفات مثل كنافة النابلسية، تتميز بقوامها المفتت الذي يمتص القطر جيدًا ويعطي قرمشة ممتازة.
  • كنافة الناعمة: تشبه الشعرية، تُستخدم في وصفات أخرى، مثل الكنافة بالقشطة.

يُفضل شراءها طازجة من متاجر موثوقة، أو إعدادها في المنزل إذا كنت ماهرًا في العجن.

الزبدة

الزبدة الطازجة، ويفضل أن تكون غير مملحة، هي مفتاح تحمير كنافة ومنحها ذلك اللون الذهبي الغني. لا يُنصح باستخدام السمن الصناعي أو الزيت لوحده، لأن الزبدة تضيف نكهة وملمسًا خاصًا لا يُضاهى.

القطر (الشيرة)

قطر كنافة هو سر ربط النكهات معًا، ويصنع من مكونات بسيطة:

  • السكر
  • الماء
  • عصير الليمون (لمنع التبلور)
  • ماء الورد أو ماء الزهر (لإضافة نكهة عطرية مميزة)

تجهيز القطر بطريقة صحيحة يضمن تحضير كنافة بشكل مثالي، فتحتفظ بالقوام المقرمش دون أن تصبح رطبة أو طرية.

الحشوة

تتنوع حشوات كنافة حسب المناطق والتفضيلات الشخصية، منها:

  • الجبنة: كالجبنة العكاوي أو الموزاريلا، وهي شائعة في كنافة النابلسية.
  • القشطة: تُستخدم في وصفات الكنافة بالقشطة، وتُضيف نعومة وغنى.
  • المكسرات: كالفستق أو اللوز المطحون يُرش على الوجه لإضفاء لمسة نهائية لذيذة.

نصيحة المحترفين:

جودة المكونات تفرق كثيرًا في النتيجة النهائية. اختر دائمًا أجودها ولا تبخل في ماء الورد أو ماء الزهر، فهما يعززان النكهة.

خطوات تحضير الكنافة

 خطوات تحضير الكنافة

تحميصها بالزبدة

ابدأ بتسخين مقلاة واسعة على نار متوسطة، ثم أضف نصف كوب الزبدة غير المملحة. شاهد الزبدة وهي تذوب ببطء، تفوح رائحتها الغنية التي تبشر بطعم مميز. أضف الكنافة الخشنة وافركها جيدًا بالزبدة، لتتغلف كل خيط بخيوط الذهب السائلة.

قم بتحريك الكنافة باستمرار وبهدوء حتى يتحول لونها إلى ذهبي فاتح متجانس، هذا هو السر في الحصول على القوام المقرمش الذي تحبه. احرص على ألا تحترق الكنافة، فاللون الذهبي الفاتح هو العنوان.

إعداد القطر (الشيرة)

في قدر على النار، اخلط نصف كوب من السكر مع نصف كوب ماء واتركهم حتى يغلي الخليط. حين تبدأ الفقاعات في الظهور، أضف ملعقة كبيرة من عصير الليمون لتمنع تبلور السكر، وحرك بلطف.

بعد 5 إلى 7 دقائق من الغليان على نار هادئة، أضف رشة ماء ورد وقليل من ماء الزهر لإضفاء العطر الشرقي الأصيل. اترك القطر يغلي لدقيقة أخرى حتى يتكاثف قليلاً، ثم ارفعه عن النار واتركه يبرد.

تجميعها

في صينية التقديم، وزع طبقة متساوية من الكنافة المحمصة. لا تتردد في الضغط قليلاً لتتماسك الطبقة جيدًا.

ببطء، اسكب القطر الدافئ فوق الكنافة، تأكد من وصول القطر لكل جزء، فهذا هو ما يمنح الكنافة طعمها الفريد ويجعلها لذيذة جدًا.

يمكنك الآن تزيين الوجه بالمكسرات المفضلة مثل الفستق المطحون أو اللوز لإضافة لمسة نهائية فاتنة.

التبريد والتقديم

اترك الكنافة لتبرد قليلًا، فهذا يساعدها على امتصاص القطر بشكل متكامل. يمكنك تقديمها دافئة أو بدرجة حرارة الغرفة حسب ذوقك.

نصائح احترافية لنجاح اعدادها في المنزل

تحضير الكنافة في المنزل قد يبدو بسيطًا، لكن سر نجاحها يكمن في التفاصيل الدقيقة التي تجعل كل لقمة مليئة بالنكهة والقوام المثالي. هنا بعض النصائح الذهبية التي سيقدّرها كل من يهوى الكنافة ويطمح لأن يبدع فيها:

اختيار نوع الكنافة بعناية

يفضل دائمًا استخدام الكنافة الخشنة أو ما يُعرف بخيوط الكنافة لأنها تمتص القطر بشكل أفضل، وتعطي قوامًا مقرمشًا لا يُقاوم.

الزبدة السائلة والكمية المناسبة

تُذوب الزبدة ببطء على نار هادئة، ويفضل أن تكون غير مملحة، حيث تضفي نكهة غنية وتساعد في تحمير الكنافة دون حرقها.

مراقبة درجة تحميرها

تعتبر هذه الخطوة هي سر القرمشة، فالكنافة يجب أن تتحمر حتى تكتسب لونًا ذهبيًا فاتحًا فقط، وعدم تركها على النار لفترة طويلة كي لا تفقد نعومتها.

تحضير القطر بطريقة صحيحة

يُغلى القطر حتى يبدأ في التكاثف ويُضاف إليه عصير الليمون لمنع تبلوره، كما يمكن إضافة ماء الورد أو ماء الزهر لمنح رائحة عطرية مميزة.

سكّب القطر دافئًا على كنافة ساخنة

هذه الخطوة تضمن امتصاصها للقطر بشكل مثالي، مما يجعلها طرية من الداخل ومقرمشة من الخارج.

التقديم والتزيين

يمكنك تزيينها بالمكسرات المطحونة مثل الفستق الحلبي أو اللوز المحمص، أو حتى بإضافة القشطة الطازجة لزيادة الفخامة.

طرق تخزينها والحفاظ على نكهتها وجودتها

الكنافة من الحلويات التي يفضل تناولها طازجة للاستمتاع بقوامها المقرمش وطعمها الغني، لكن في بعض الأحيان قد تحتاج إلى تخزينها للحفاظ عليها لفترة أطول. إليك أفضل الطرق لتخزين الكنافة دون فقدان جودتها:

التخزين في درجة حرارة الغرفة

إذا كنت تخطط لتناولها خلال يوم أو يومين، يُفضل حفظها في وعاء محكم الغلق في مكان بارد وجاف بعيدًا عن الرطوبة والحرارة المباشرة، حتى تحافظ على قرمشتها.

التخزين في الثلاجة

يمكنك وضعها في علبة محكمة الإغلاق وتخزينها في الثلاجة لمدة تصل إلى 4 أيام. قبل التقديم، يُنصح بإعادة تسخينها في الفرن لبضع دقائق لاستعادة قرمشتها ورطوبتها.

التجميد

إذا كنت ترغب في حفظها لفترة أطول، يمكن تجميدها. قسم الكنافة إلى قطع مناسبة، ولفها جيدًا بورق قصدير أو بلاستيك تغليف ثم توضع في كيس التجميد. عند الرغبة في تناولها، تُترك لتذوب في الثلاجة طوال الليل ثم تُسخن في الفرن أو الميكروويف.

نصائح للحفاظ على نكهة القطر

تجنب إضافة القطر قبل التخزين، بل قم بسكبه مباشرة قبل التقديم للحفاظ على طراوتها ونكهتها المميزة.

باتباع هذه النصائح، ستتمكن من تقديم كنافة شرقية أصيلة ترضي جميع الأذواق، وتكون نجم أي مناسبة تحتفل بها في بيتك. هل تريد أن أشاركك المزيد من الأسرار التي تجعل كنافتك لا تُنسى؟

بهذه الخطوات، تكون قد حضرت طبق كنافة الشرقي الأصلي، مع كل رشة زبدة وكل قطرة قطر، صنعت طبقًا يروي قصة تاريخ عريق ويحكي نكهة تراث لا يُنسى.

وصفات بديلة للكنافة

وصفات بديلة للكنافة

في عالم كنافة الساحر، لا يقتصر الأمر على الوصفة التقليدية فقط، بل يمتد ليشمل أشكالًا ونكهات متنوعة تأخذك في رحلة مذاقية مختلفة. تخيل أن كل وصفة بديلة هي بمثابة قصة جديدة تُروى على مائدة الفرح والاحتفال.

كنافة بالجبنة: 

تبدأ هذه القصة بخيوط الكنافة الذهبية التي تحتضن جبنة الموزاريلا أو العكاوي اللذيذة، التي تذوب كالعسل بين الأصابع، لتمنحك قوامًا كريميًا مع المقرمش في نفس الوقت. هذه الوصفة تحظى بشعبية كبيرة، خاصة في ليالي الشتاء الدافئة.

كنافة بالقشطة: 

أما في وصفة القشطة، فتكتسب الكنافة طابعًا فاخرًا، حيث يضاف إلى الطبقة الذهبية طبقة من القشطة الطازجة الغنية، والتي تعطي طعمًا ناعمًا لا يقاوم. يُزين الوجه بالمكسرات لتكمل لوحة الحلاوة بألوانها ونكهاتها.

كنافة نابلسية: 

تمثل الكنافة النابلسية قلب التراث الفلسطيني، وتتميز بخيوطها الناعمة وقشرتها الذهبية المقرمشة، بالإضافة إلى حشوة الجبنة البيضاء الحامضة التي تعطي توازنًا مثاليًا بين الحلاوة والملوحة.

كنافة تركية (كاداييف)

النسخة التركية من الكنافة تسمى “كاداييف”، وغالبًا ما تُستخدم فيها خيوط الكنافة الرفيعة جدًا، ويتم تحضيرها مع المكسرات مثل الفستق أو الجوز، وتُقدم مع شراب القطر أو العسل.

كنافة البقلاوة

مزج بين الكنافة والبقلاوة حيث يتم إضافة المكسرات المحمصة المطحونة والقرفة بين طبقات الكنافة، مما يعطي طعمًا معقدًا ومتناغمًا بين الحلاوة والمكسرات.

خاتمة:

كنافة ليست مجرد حلوى تقليدية، بل هي قصة تُحكى من خلال كل خيط ذهبي وكل قطرة من القطر العطر، تحمل في طياتها عبق التاريخ وروح الاحتفال والفرح. تحضيرها في المنزل هو رحلة ممتعة تمزج بين الحرفية والتجربة، تفتح أمامك أبواب الإبداع لتضيف لمستك الخاصة ونكهاتك المفضلة.

لا تتردد في خوض هذه التجربة الجميلة، فكل مرة تُحضّر فيها الكنافة، تصبح جزءًا من تقليد عريق، وهدية حلوة تُشاركها مع من تحب. جرّب الوصفة، ابدع في الإضافات، وشارك لحظات الفرح والدفء مع عائلتك وأصدقائك.

في النهاية، كنافة هي أكثر من طعم لذيذ، إنها لحظة تجمع بين الأحبة، وتذكير بأن أبسط الأشياء يمكن أن تصنع أجمل الذكريات. فما رأيك أن تبدأ رحلتك الآن؟ افتح قلبك للمذاق الأصيل، ولا تنسَ أن تخبرنا عن تجربتك!

الأسئلة الشائعة (FAQ)

ما الفرق بين كنافة الناعمة والخشنة؟

الكنافة الناعمة تكون على شكل خيوط رفيعة جدًا، وهي مثالية لوصفات مثل الكنافة النابلسية، بينما الكنافة الخشنة عبارة عن خيوط أكبر وأكثر سمكًا وتمتص القطر بشكل أفضل، مما يجعلها مناسبة للكنافة التقليدية.

هل يمكن تحضير كنافة بدون زبدة؟

نعم، يمكن استبدال الزبدة بالسمن أو الزيت النباتي، لكن الزبدة تعطي نكهة أغنى وقوامًا مقرمشًا أكثر، لذا يُفضل استخدامها إذا كان ذلك ممكنًا.

هل كنافة مناسبة للنباتيين؟

الكنافة الأصلية تحتوي على زبدة ومنتجات حيوانية، لكن يمكن تحضيرها باستخدام زبدة نباتية وقشطة نباتية لتصبح صالحة للنباتيين.

كيف أحصل على قطر مثالي للكنافة؟

القطر المثالي يجب أن يكون كثيفًا قليلاً، لا سائل جدًا ولا سميكًا جدًا، ويُسكب دافئًا على الكنافة الساخنة حتى تمتصه جيدًا.

هل يمكن تخزين كنافة؟

نعم، يمكن تخزين الكنافة في الثلاجة لعدة أيام مغطاة جيدًا. كما يمكن تجميدها وإعادة تسخينها عند الحاجة، مع الحرص على تسخينها ببطء للحفاظ على قوامها.

هل يمكن إضافة نكهات أخرى إلى كنافة؟

بالطبع! يمكن إضافة القرفة، الهيل، أو حتى ماء الورد وماء الزهر لتعزيز النكهة وجعلها أكثر تقليدية وعطرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

موضوعات ذات صلة